القسم الخامس
طرق إثبات صحة الوحي
الفصل الأول
قدرة الله، دليل قرآني على صحة الوحي
كان صعباً عليَّ أن أفهم لماذا يقول د بوكاي إن الكتاب المقدس لا ينبّر على قوة الله الواضحة في خليقته، مع أن المزامير وحدها تذكر السماء والسماوات 75 مرة، وكثيرٌ من آيات المزامير الشِّعْرية تشير إلى الله في سماواته وتدلّنا على صفاته الظاهرة في خليقته جاء في مزمور 36:5 و6
(يَارَبُّ، فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَمَامِ عَدْلُكَ مِثْلُ جِبَالِ اللّهِ، وَأَحْكَامُكَ لُجَّةٌ عَظِيمَةٌ النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَارَبُّ)
وهناك آيات أخرى تطلب عون الله لأنه الخالق القادر جاء في مزمور 121:1 و2
(أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
وهناك آيات تقارن قوة الله بعجز الإنسان كما في مزمور 8:1-4
(أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الْأَرْضِ، حَيْثُ جَعَلْتَ جَلَالَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ! إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كَوَّنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ!)
وأوحى الرب للمرنم في مزمور 19:1-4 ليقول إن خليقة الله تخبر بعظمته:
(اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلَاماً، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً لَا قَوْلَ وَلَا كَلَامَ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ فِي كُلِّ الْأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ)
يقول داود هنا إن مجد السماوات لغة تقنع كل إنسان بوجود الخالق العاقل القدير لا وجود لكلام وأوحى الروح القدس للرسول بولس ليكتب في رومية 1:20-25
(لِأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلَاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللّهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللّهِ الَّذِي لَا يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللّهِ بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الْأَبَدِ آمِينَ)
لقد رأينا عجائب خليقة الله العظيمة، فالكواكب تسري في أفلاكها، والخضرة تسير تكسو الصحاري بعد المطر، وكلها تحكي حكمة العليم القدير وقد عرف أهل عصرنا عجائب الكيماويات الدقيقة، مثل نظام الإنزيمات التي تحلّل السكر إلى طاقة في خلايانا الحية كما عرفوا دقائق علم الوراثة وكلها توضّح قوة الله الخالقة فلا عُذر للإنسان الذي لا يؤمن بهذا الخالق الواحد العظيم.
وتواجهنا مشكلة: يعبد البشر آلهة كثيرة، ويدَّعي كثيرون أنهم كهنة أو أنبياء هذه الآلهة فكيف نعرف الإله الحقيقي ونميّزه من بين كل هذه الآلهة؟
من هو الإله الحقيقي؟
هل هو (كالي) في الهند الذي يأمر أتباعه أن يسرقوا ويقتلوا؟
هل هو (شانج تي) في الصين، الذي لا يقبل عبادةً إلا من الولاة والحكام؟
هل هو (الله) كما أعلنه القرآن، والذي ينكر أن المسيح صُلب؟
هل هو (يهوه، إلوهيم) السرمدي الذي أعلنته التوراة، والذي يقول إن المسيح سيُصلَب من أجل خطايانا، كما في إشعياء 53؟
قرأت كتاباً لطبيب زميل جزائري اسمه أحمد عروة، باللغة الفرنسية، عنوانه (الإسلام والعِلم) قال فيه:
(ليس المطلوب من العِلم أن يوضح الظواهر ويستخدمها فقط، بل مطلوب منه أن يوضح سبب وهدف تطوُّر الأمور ولكن العلوم لا تقدر أن تعطي طلبنا الميتافيزيقي هذا ولا يعطينا طلبنا إلا المصدر المتعالي الذي يسيطر على حقيقة الكون ومصيره، والذي يُعلَن للإنسان بواسطة ظاهرة النبوَّة) Lislam et la Science, nd edition, Enterprise nationale du livre, Algiers, , p ويقصد د عروة أن رؤية الطبيعة العظيمة ومراقبتها علمياً تؤكدان وجود إله خالق ولكننا لا نقدر أن نتعرَّف على صفات هذا الإله إلا إذا أعلن لنا نفسه بواسطة النبوَّة.
وقد اعتنق د عروة الإسلام باعتبار أنه تلك النبوة، ولو أنه لم يقدم في كتابه السبب أو البرهان الذي قاده إلى هذا الاعتناق، ولم يذكر لنا كيف اختار النبي الذي قرر أن يضع ثقته فيه.
فيبقى السؤال: أيَّ إلهٍ نتبع؟ وأيُّ نبيٍ هو الصادق؟ وعلى كل إنسان أن يقرر لنفسه ولكن كيف؟
في سفر الملوك الأول 18 تحدَّى نبي التوراة إيليا أنبياء الصنم (المعروف بالبعل) أن يقدّموا ثوراً لإلههم، ويقدم هو ثوراً للرب، ثم يدعو كل واحد إلهه والإله الذي يُنزِل ناراً من السماء تلتهم ثوره هو الإله الحقيقي وقضى أنبياء البعل ساعات يصرخون لآلهتهم، وليس من مجيب وهنا صبَّ إيليا ماءً على ذبيحته حتى لا يُقال إن النار كانت مخبّأة تحتها، ثم دعا (الرب) فنزلت النار لتلتهم الذبيحة وتلحس المياه من حولها، فصرخ كل الناس الذين شاهدوا هذا: (الرب هو الله! الرب هو الله!)
كان هذا تحدي نبي الله إيليا لأهل زمانه ولكن ماذا نفعل نحن اليوم لنعرف من هو الإله الواحد الحي الحقيقي؟
سورة من مثل سور القرآن
تحدَّى القرآن معاصري نزوله أن يأتوا بسورة من مثل سوره أو أحسن منها، وذلك في أربع آيات ففي سورة الإسراء 88 (من العهد المكي المتأخر) تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن كله، وفي سورة هود 13 (من نفس العهد) تحداهم أن يأتوا بعَشر سُورٍ مثله، وفي سورة يونس 38 (من نفس العهد) وفي سورة البقرة 23 (وتعود إلى عام 2 ه) تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثله وتقول سورة يونس 10:38 (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
وعندما نتأمل هذا التحدي نثير سؤالاً قد لا نجد إجابة واضحة عليه: هل كان محمد يتحدى معاصريه أن يجيئوا بسورة مثل القرآن في بلاغتها اللغوية، أو في معناها ومحتواها الديني؟
يمتدح المسلمون القرآن لبلاغته اللغوية، وهذا صحيح، فما أجمل وصف الله بالنور كما جاء في سورة النور 35 و36 ولكن هل كان التحدي بشأن البلاغة اللغوية؟ إن القرآن لا يوضح إن كانت بلاغة اللغة هي المقصودة، فالبلاغة محدودة القيمة، والمحتوى الديني هو الأهم لقد كتب شكسبير شعراً بليغاً، ولكن هذا لا يرفعه إلى مصاف النبيين.
وأفادني أصدقائي المسلمون الذين وجَّهتُ إليهم سؤالي هذا، بتردد، أن المقصود هو المعاني الدينية ولكن المفسرين المسلمين يقولون إن المقصود هو الإعجاز اللغوي وعند أول عهدي بقراءة القرآن فهمت أن التحدي موجَّه (ضمن من وُجه إليهم) إلى أهل الكتاب من يهود ومسيحيين، فأخذت أسأل: أي الأصحاحات أقدمها من الكتاب المقدس رداً على هذا التحدي؟
لقد رأينا في الفصل الأول من قسم 2 أن محمداً آمن بالتوراة والزبور والإنجيل الذي كان (بين يديه) واقتبس في سورة الأنبياء 21:105 آية من مزمور داود 37:29 (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) وفي سورة النساء 4:163 (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) فإن قال إن الوحي للجميع متشابه، لا يكون التحدي القرآني موجَّهاً إلى (أهل الكتاب) بل إلى المشركين من عُبّاد الوثن.
أما إن كان أهل الكتاب هم المقصودين بهذا التحدي، فإني أقدّم من التوراة أصحاحين، إجابة للتحدي القرآني وأول ما أقدّمه هو من مزامير داود ذات الجمال الشعري، وبلاغته كامنة في أنه يكرر ذات الفكرة مرتين بكلمات مختلفة وحتى إن خلا الشعر العبري من السجع، إلا أن امتيازه كامن في أنه لا يفقد طلاوته إذا نُقل إلى لغة أخرى.
وإليك المزمور المئة والثالث:
ونترك الحكم للقارئ ليقول إن كان جمال معاني هذا المزمور يماثل جمال معاني إحدى سور القرآن ولو أننا نرى أن جمال المعاني الدينية في المزمور يماثل جمال الكثير من السور القرآنية، فإن داود يسبّح الله ملك الجميع، الذي يغفر الذنوب، صاحب الرحمة العالية على خائفيه، وهي ترتفع فوقهم مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض، والذي يترأف على متَّقيه كما يترأف الأب على البنين إلى الدهر والأبد وما أعظم السلام النفسي الذي يغمر خائفي الرب بسبب هذه الكلمات.
وأقتبس للقارئ الأصحاح الأربعين من نبوَّة النبي إشعياء، وهو ما يُظهِر شهادة الخليقة لعظمة الخالق، ويحوي معلومات علمية حديثة، ويهاجم الأصنام، ويقول إن الله يهوه إلوهيم السرمدي هو الإله الأحد، ولا إله غيره.
عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي يَقُولُ إِلَهُكُمْ
طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمِلَ،
أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ،
أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا
صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ:
أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ
قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لِإِلَهِنَا
كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ،
وَيَصِيرُ الْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلاً
فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ
وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً،
لِأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ
صَوْتُ قَائِلٍ: (نَادِ)
فَقَالَ: (بِمَاذَا أُنَادِي؟)
(كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ،
وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الْحَقْلِ
يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ،
لِأَنَّ نَفْخَةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ
حَقّاً الشَّعْبُ عُشْبٌ!
يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ
وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ)
عَلَى جَبَلٍ عَالٍ اصْعَدِي يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ
ارْفَعِي صَوْتَكِ بِقُوَّةٍ يَا مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ
ارْفَعِي لَا تَخَافِي
قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: (هُوَذَا إِلَهُكِ
هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ
هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ
كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ
بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلَانَ وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا،
وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ)
مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ الْمِيَاهَ،
وَقَاسَ السَّمَاوَاتِ بِالشِّبْرِ،
وَكَالَ بِالْكَيْلِ تُرَابَ الْأَرْضِ،
وَوَزَنَ الْجِبَالَ بِالْقَبَّانِ وَالْآكَامَ بِالْمِيزَانِ؟
مَنْ قَاسَ رُوحَ الرَّبِّ،
وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟
مَنِ اسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ
وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ،
وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ الْفَهْمِ؟
هُوَذَا الْأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ،
وَكَغُبَارِ الْمِيزَانِ تُحْسَبُ
هُوَذَا الْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ!
وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِياً لِلْإِيقَادِ،
وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِياً لِمُحْرَقَةٍ
كُلُّ الْأُمَمِ كَلَا شَيْءٍ قُدَّامَهُ
مِنَ الْعَدَمِ وَالْبَاطِلِ تُحْسَبُ عَُِنْدَهُ
فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللّهَ،
وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟
اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ الصَّانِعُ،
وَالصَّائِغُ يُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ
وَيَصُوغُ سَلَاسِلَ فِضَّةٍ
الْفَقِيرُ عَنِ التَّقْدِمَةِ يَنْتَخِبُ خَشَباً لَا يُسَوِّسُ،
يَطْلُبُ لَهُ صَانِعاً مَاهِراً لِيَنْصُبَ صَنَماً لَا يَتَزَعْزَعُ!
أَلَا تَعْلَمُونَ؟
أَلَا تَسْمَعُونَ؟
أَلَمْ تُخْبَرُوا مِنَ الْبَدَاءَةِ؟
أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ أَسَاسَاتِ الْأَرْضِ؟
الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الْأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَالْجُنْدُبِ
الَّذِي يَنْشُرُ السَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ،
وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ
الَّذِي يَجْعَلُ الْعُظَمَاءَ لَا شَيْئاً،
وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ الْأَرْضِ كَالْبَاطِلِ
لَمْ يُغْرَسُوا
بَلْ لَمْ يُزْرَعُوا
وَلَمْ يَتَأَصَّلْ فِي الْأَرْضِ سَاقُهُمْ
فَنَفَخَ أَيْضاً عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا،
وَالْعَاصِفُ كَالْعَصْفِ يَحْمِلُهُمْ
فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟
يَقُولُ الْقُدُّوسُ
ارْفَعُوا إِلَى الْعَلَاءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا،
مَنْ خَلَقَ هَذِهِ؟
مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا،
يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟
لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ
لَا يُفْقَدُ أَحَدٌ
لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ
وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ:
(قَدِ اخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ الرَّبِّ
وَفَاتَ حَقِّي إِلَهِي)؟
أَمَا عَرَفْتَ
أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟
إِلَهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ
خَالِقُ أَطْرَافِ الْأَرْضِ
لَا يَكِلُّ وَلَا يَعْيَا
لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ
يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً
وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً
اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ،
وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّراً
َأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً
يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ
يَرْكُضُونَ وَلَا يَتْعَبُونَ،
يَمْشُونَ وَلَا يُعْيُونَ
في هذه النبوة وفي مزمور 103 معانٍ رائعة تشجع المؤمنين ففي إشعياء 40:6 (صوتُ قائلٍ: نادِ) وهو نفس الأمر الذي تكرر في سورة العلق 1 و2 وتحدثت نبوة إشعياء عن أن الإنسان كالعشب الذي يذوي، وهي تشبه آيات 6-8 من سورة العلق (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى... إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى).
ويسخر إشعياء من الأوثان الباطلة من الخشب والحجر والفضة والذهب وهكذا يفعل القرآن بعده بألف وثلاثمئة عام ويقول الله القدوس نفسه (بمَن تشبّهونني فأساويه؟ من خلق هذه؟) ويجاوب إشعياء (إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا).
ونقول إن هذا النبي الذي كتب سفره عام 750 ق م يقول (الجالس على كرة الأرض) (آية 22) وهي عبارة علمية أكيدة تعرّف بكروية الأرض.
خاتمة
هذه الآيات التي اقتبسناها من العهد القديم تقول إن الخليقة تدل على عظمة الخالق الذي برأها وهي حجّة لا يركز عليها الكتاب المقدس كثيراً كما يركز القرآن ولكن لهذا سبب هام هو أن (يهوه) السرمدي يبرهن صحة رسالة النبي وصِدق نبوَّته بوسيلة أخرى كما سنرى في الفصل القادم.