الفصل الثالث
تعاليم المسيح ومعجزاته
شاهد ثانٍ
دعنا نتخيَّل أننا التقينا بشخص اسمه إلياس، أحد اليهود المتعبّدين من القرن المسيحي الأول في فلسطين، وهي تحت نير الاستعمار الروماني، وقد ضاق اليهود ذرعاً بأولئك الرومان الوثنيين المشركين بالله، وامتلأت نفوسهم شوقاً لمجيء المسيح، لينقذهم بقوة معجزاته العظيمة من هؤلاء الوثنيين الغُلف.
ولكنه يواجه مشكلة: كيف يعرف المسيح المنتظَر إذا جاء؟ وإن قال له شخصٌ إنه المسيح، فكيف يعرف أنه رسول من عند الله؟ لقد ظهر كثيرون يدَّعون أنهم (المسيح) وحاولوا أن يسترجعوا مملكة داود بالقوة، ولكنهم فشلوا، ومات بسبب اتِّباعهم كثيرون (أعمال الرسل 5:34-38) ولذلك يريد إلياس أن يتأكد صِدق من ينادي بأنه المسيح المنتظَر وتُظهِر القصة التالية كيف وجد إلياس حلاً لهذه المشكلة.
بدء خدمة المسيح:
إسمي إلياس، أسكن مع زوجتي في قرية نايين التي تبعد عن الناصرة نحو 9 كيلومترات ومنذ ثلاث أو أربع سنوات بدأنا نسمع قصصاً عن رجل دين يُجري معجزات في كفر ناحوم وقد أخبرتنا جارتُنا الأرملة الفقيرة أن لها ابن عم في كفر ناحوم اسمه عوبديا سمع معلّماً شاباً من الناصرة يعظ في مجمع بلده بطريقة تختلف عن طريقة تعليم سائر الوعّاظ، فقد كان يعلّم بسلطان، وكأنه يعرف الله معرفة شخصية وبعد الوعظ كان في مجمعهم رجل مسكون بروح شرير، صرخ في المعلّم الشاب: (مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ، قُدُّوسُ اللّهِ) واتّجهت أبصار الجميع نحو الواعظ الشاب الذي قال للروح النجس: (اخْرَسْ وَاخْرُجْ مِنْهُ) فصرع الروحُ النجس الرجلَ المسكون، وصاح بصوت عظيم وخرج منه وكان بالمجمع نحو مئتي شخص، بعضهم احتضنوا الرجل الذي شُفي، وبعضهم اغتاظوا لأن الروح الشرير قال إن المعلم الشاب (قدوس الله) ولكن معظمهم كانوا مبهورين يقولون: (مَا هذَا؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لِأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الْأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!) (مرقس 1:22-27)
وقال عوبديا إن هناك أعظم من ذلك، فإن قريباً له صياد سمك اسمه بطرس كان يصيد طول الليل مع أخيه أندراوس دون أن يصيد سمكة واحدة، عندما جاء ذلك الواعظ ومعه نحو مئة رجل، وطلب أن يستعير قارب بطرس ليجلس فيه وبعد الوعظ قال لسمعان: (ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ) فتضايق بطرس أول الأمر من ذلك الواعظ، لأنه يظن أنه يعرف أكثر منه في أمور الصيد، ولكنه لم يشأ أن يُخجِل رجل دينٍ، فقال له: (يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً وَلكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ) وَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُِ الَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ الْأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ فَأَتَوْا وَمَلَأُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي الْغَرَقِ!) (لوقا 5:3-6)
ومضت الأرملة تقول إن عوبديا ساعد بطرس وأندراوس في حمل السمك إلى البيت، وهناك وجدوا حماة بطرس مريضة بحمى شديدة وإن بطرس دعا المعلم ليتناول الغداء معه، ثم أخبروه عن المريضة، فأقامها ماسكاً بيدها، فتركتها الحمى حالاً وصارت تخدمهم (مرقس 1:30 و31) وقد جرت هاتان المعجزتان في يوم واحد، بالإضافة إلى المعجزة التي جرت في المجمع ولكن الأكثر من ذلك أنه لما صار المساء قدَّموا إليه جميع السقماء والمجانين، وكانت المدينة كلها مجتمعة على الباب، فشفى كثيرين كانوا مرضى بأمراض مختلفة، وأخرج شياطين كثيرة، ولم يدع الشياطين يتكلمون لأنهم عرفوه (مرقس 1:32-34)
ثم مضت الأرملة تقول: (لم أذهب إلى كفرناحوم أبداً، ولكن عوبديا يقول إنها في مثل مساحة نايين، يسكنها 4000 نفس، ويقول إن نحو 500 شخصاً كانوا حول الباب، وإن مريضاً جاء من كل بيت تقريباً ويقول إن المسيح شفى في تلك الأُمسية نحو 50 مريضاً، حتى قال أهل كفر ناحوم إنه (لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هذَا فِي إِسْرَائِيلَ). متى 9:33
موتٌ ثم حياة:
وقال إلياس: صحيح أن جارتنا طيبة لكنها كثيرة الكلام، فلم نُلقِ بالاً لما روته عن المعلم الشاب ولكن مثل هذه القصص بدأت تصل مسامعنا من كل نواحي الجليل وذات يوم صُدِمنا صدمةً هائلة لقد مات الابن الوحيد لجارتنا الأرملة الفقيرة كان يسعل كثيراً، لكنه في تلك الليلة تعب جداً، ولم تنفعه كل الأدوية والأعشاب وكسر الحزن العميق قلبها تماماً وكان حزننا كبيراً لعجزنا عن مساعدتها إلا في دفن ابنها وأخذنا طريقنا إلى المدافن، وكنا نفراً قليلاً، نحو خمسين، فالميت ابن أرملة فقيرة وأخذتُ دوري في حمل النعش وما أن وصلنا خارج البلد حتى رأينا جمعاً كبيراً وفي العادة يفسحون الطريق للجنازة، ولكن هذه المرة خرج من وسط هذا الجمع شاب اتَّجه نحونا مباشرة ولم أنتبه له حتى وصل إلينا ولمس النعش، فوقفنا وقال (أيها الشاب، لك أقول: قم!) ولن تصدقوا! لقد جلس الميت وبدأ يتكلم وتهامس الناس (إنه يسوع الناصري) فنزعنا الأكفان عن الميت، ودفعه يسوع إلى أمه (لوقا 7:14 و15) وساد صمتٌ، ثم أخذ المشاهدون يسبّحون الله، وأسرعوا يهنئون الأم والابن ولفرط فرحي هنّأتُها ثلاث مرات وهنأتُ ابنها خمس مرات! وفكرتُ أن أربت على كتف يسوع شاكراً ولكني لم أجرؤ، فمَن يربت على كتف معلم ديني عظيم! وفي ذهول قال الناس (قام فينا نبي عظيم!)
وبعد شهور قليلة:
وقال إلياس: وبعد شهور قليلة قررت أنا وزوجتي أن نفحص الأمر مليّاً لسببين، أولهما أن حماتي كانت مريضة بتصلب المفاصل، ولم تكن تقدر أن تتحرك بسهولة ولا أن تنتصب فأردنا أن نعرف إن كان يسوع يقدر أن يشفيها أما ثانيهما فهو أني أردتُ أن أسمع بنفسي تعاليم هذا الواعظ قال البعض إنه سيكون ملكاً وقال آخرون إنه يتكلم عن (ملكوت الله) وعن أنه (داخلنا) واتفق الجميع أنه المسيح المنتَظر فأردت أن أكتشف لنفسي.
وفي فصل الربيع عهدتُ برعاية ماشيتي لأخي، واستأجرت عربةً لنقل حماتي وعائلتي إلى كفر ناحوم وقضينا ليلتنا الأولى هناك عند عوبديا الذي كان يعرف تلميذي يسوع: بطرس وأندراوس معرفة قريبة وفي اليوم التالي اتجهنا إلى بيت صيدا شمال شرق بحر الجليل ومع أن الطريق التي عبَّدها الرومان سهَّلت سفرنا، إلا أننا كنا نتوقف لنستريح كثيراً بسبب مرض حماتي ومع أني أكره الرومان إلا أني أعترف أنهم عبَّدوا الطرق!
وكان المعلم يعلّم في الجانب الآخر من نهر الأردن، فكان كثيرون يتّجهون إلى حيث هو، فسافرنا معهم ووصلنا في منتصف اليوم الثالث، وكان كثيرون هناك، فجلسنا على جانب التل نستمع لتعاليمه.
تعاليمه:
وقال إلياس: كان أول ما سمعته منه تعليماً عن الصوم، إذ قال:
(وَمَتَى صُمْتُمْ فَلَا تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لَا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِماً، بَلْ لِأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً)
ثم تحدث عن أهم الأمور في حياتنا، فقال:
(لَا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الْأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لَا يُفْسِدُ سُوسٌ وَلَا صَدَأٌ، وَحَيْثُ لَا يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلَا يَسْرِقُونَ، لِأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلَاماً فَالظَّلَامُ كَمْ يَكُونُ!
(لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الْآخَرَ، أَوْ يُلَازِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الْآخَرَ لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللّهَ وَالْمَالَ) (متى 6:16-24)
ثم توقَّف وتمشَّى بين الشعب مدة نحو عشرين دقيقة، يشفي المرضى ويُخرِج الشياطين، فكانت تصرخ: (يا ابن الله العلي) (مرقس 5:7) ثم يعود يعلّم مرة أخرى فيقول:
(لَا تَدِينُوا لِكَيْ لَا تُدَانُوا، لِأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلَا تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لِأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!) (متى 7:1-5)
وكان المسيح يعلّم تارةً ويشفي المرضى تارة أخرى ونحو الساعة الثالثة بعد الظهر اتَّجه نحونا، فلاحظتُ نظراته الحانية العامرة باللطف، وهي نفس النظرات التي رأيتُها في عينيه لما أقام ابن الأرملة من الموت وظل يتنقَّل من مريض إلى مريض حتى وصل إلى حماتي، وكانت منحنية منذ 18 سنة ولم تقدر أن تنتصب البتة، فدعاها وقال (قومي) ووضع عليها يديه ففي الحال استقامت ومجَّدت الله (لوقا 13:11-13) ولما شكرَته قال لها ما كان يقوله لغيرها من المرضى الذين شفاهم (إيمانك قد شفاك) (مرقس 5:34) وكان يقول للبعض الآخر (هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلَا تُخْطِئْ أَيْضاً، لِئَلَّا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ) (يوحنا 5:14) وكأنه يعرف ماضي المريض، وأن مرضه نتيجة خطيته.
ولقد علّم كثيراً في ذلك اليوم علّم عن الصلاة فقال:
(اِسْأَلُوا تُعْطَوْا اُطْلُبُوا تَجِدُوا اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزاً، يُعْطِيهِ حَجَراً؟ وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلَادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ)
ثم قال لنا: إن كان هناك أمر لم يرد له ذكر في الشريعة، فطبِّقوا هذا القانون:
(فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لِأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالْأَنْبِيَاءُ)
وحذّرنا من أن اتِّباع طريق الله يتطلب جهداً وافراً، ولكنه دعانا لندخل من هذا الباب الضيق، فقال: (اُدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، لِأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!)
وحذّرنا من الأنبياء الكذَبة، فقال: (اِحْتَرِزُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الْحُمْلَانِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَباً، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِيناً؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَاراً جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَاراً رَدِيَّةً، لَا تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَاراً رَدِيَّةً وَلَا شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَاراً جَيِّدَةً كُلُّ شَجَرَةٍ لَا تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ فَإِذاً مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ)
ثم أنذر بكلمات مخيفة: (لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الْإِثْمِ!)
ثم ختم المعلم حديثه بمَثَل عن رجلين، بنى أحدهما بيته على الرمل وبناه الآخر على الصخر ولما جاءت العاصفة سقط البيت المبنيُّ على الرمل أما المبنيُّ على الصخر فثبت وقال: (فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ) (متى 7:7-26)
وكان يعلّم اليوم كله بسلطان عظيم، تعليماً يختلف تماماً عن تعليم رجال الدين الآخرين الذين كانوا لا يجتهدون، بل يقتبسون ما قاله سابقوهم من المعلمين.
مائدة مشبعة ومقدسة:
وقال إلياس: وعند نهاية النهار كان الناس قد تعبوا، وكان الأولاد يجرون وراء بعضهم ويصرخون وكان طعامنا قد نفد، وبدأنا نفكر في الرجوع إلى البيت فالتفت المسيح إلى تلميذه فيلبس وقال: كيف نطعم هذا الجمهور؟ فأجابه (لو أنفقنا ما يوازي أجر عامل في ثمانية شهور لما كان كافياً لشراء خبز ليأكل هؤلاء) وقال أندراوس (هنا غلام معه خمس خبزات من شعير وسمكتان ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟) وهنا أمر المسيح أن يجلس الناس وكان المكان مخضرّاً بالعشب، فجلسوا عليه صفوفاً صفوفاً، مئة مئة، وخمسين خمسين وقد أحصيتُ مئة صف من الخمسينات نعم كان هناك خمسة آلاف (وَأَخَذَ يَسُوعُ الْأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلَامِيذِ، وَالتَّلَامِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا)
ولم أرَ في حياتي شيئاً شبيهاً بهذا لقد أكلتُ وحدي رغيفاً كاملاً وست سمكات ولما انتهينا من الأكل (جَمَعُوا وَمَلَأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الْآكِلِينَ وَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الْآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: (إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الْآتِي إِلَى الْعَالَمِ!) وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكاً، انْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ) (يوحنا 6:1-15)
وبعد ذلك وعظ المسيح وقال: (أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلَا يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلَا يَعْطَشُ أَبَداً لِأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لِأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الِابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ) (يوحنا 6:35-40)
وكان علينا أن نعود سريعاً لأن فرحنا بشفاء حماتي جعلنا نسافر بأسرع ما تستطيع العربة أن تجري، فاستغرقنا في رحلة العودة يوماً ونصف اليوم فقط وياله من اختبار عظيم!
أسئلة:
وقال إلياس: واجهتني بعض الأسئلة الكبيرة منها أن المسيح كان يدعو الله (أباه) (يوحنا 6:39) فماذا كان يقصد؟
جاء في مزمور 68:5 (أبو اليتامى وقاضي الأرامل الله) ودعا الله إبرهيم خليله (إشعياء 41:8) فهل هذا هو المقصود بعلاقة المسيح بالآب؟
ولكن الغريب أن المسيح لم يكتفِ بأن يدعو الله أباه، بل مضى يقول (أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ) (متى 7:11) كما علّمنا أن نصلي (يَا أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ) ومِن المشجّع لنا أن نعرف أن الله أبونا ولكن هل في هذا القول كفر؟
وقال المسيح إنه (الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ) (يوحنا 6:41) فهل يقصد أنه كان مع الله في السماء مِن قبل؟ وقال أيضاً (كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْم: يارَبُّ، يارَبُّ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطّ) (متى 7:23) وهذا يعني أن له سلطاناً في يوم الدِّين.
وهناك مشكلة أخرى واجهتني: كان المسيح يعلّم في كفر ناحوم في أحد البيوت أمام كهنةٍ ورؤساء وهنا كشف بعضهم السقف ودلّوا أمامه مشلولاً وكانت رؤية مريض أمام المسيح قد أصبحت مسألة عادية وقد توقَّع الحاضرون أن المسيح سيشفيه وعندما رأى المسيح إيمان الرجال الذين حملوا المشلول إليه قال للمفلوج (مغفورة لك خطاياك) وارتعب الحاضرون، فإن الله وحده هو الذي يغفر الخطايا وقال رجال الدين الحاضرون في قلوبهم (لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف؟ مَن يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده؟) وعرف المسيح ما كان يدور في صدورهم، فسألهم: (لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟) (مرقس 2:8 و9)
وكنت على وشك أن أقول: الأسهل أن تشفيه وخفتُ أن يستدير نحوي ويقول: إن كان هذا سهلاً، فلماذا لا تشفيه أنت؟ فسكتُّ.
ولما لم يجاوب أحد، قال المسيح (لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِابْنِ الْإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا) - قال للمفلوج (لَكَ أَقُولُ قُمْ، وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ).
فقام الرجل وحمل سريره ومشى (مرقس 2:5-12)
فماذا نقول عن كل هذا؟ لقد قال إن لابن الإنسان سلطاناً أن يغفر الخطايا فما معنى أنه (ابن الإنسان)؟ وكيف يغفر الخطايا؟ لو كان كاذباً لما أكرمه الله وشفى المشلول على يديه إن له سلطاناً على ما نراه، ولا بد أن له سلطاناً على ما لا نراه.
لقد سمعتُه يقول إنه نزل من السماء، وإن له سلطاناً يوم الدّين، وإنه يغفر الخطايا وسمعنا الشياطين تناديه (ابن الله) و(قدوس الله) قد نقول إن هذا كذب وكفر ولكن ماذا أقول وقد أقام ابن جارتنا من الموت؟ بل إنه منذ قام لم يعاوده المرض! كما أن حماتي منذ منحها الشفاء استعادت قوتها البدنية كاملة.
أما أنا فقد أكلتُ من الخبز والسمك رأيت بعيني السمكتين مع الولد، ولكني أكلت ست سمكات! أؤكد إذاً أنه المسيح المنتظَر ولكنه رفض أن يملّكوه عليهم ولم يستطع عقلي أن يستوعب هذا الرفض الغريب!